حالة امحمد الهلالي: قراءة في إنهاء المهام ومسطرة الإلحاق

الكاتب: عبد الله رشاݣ(*)

بعد الاطلاع على كافة وجهات النظر بخصوص قضية السيد “امحمد الهلالي”، مدير مركزي سابق بوزارة إعداد التراب والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، قطاع الإسكان وسياسة المدينة، أسعفني ذلك بإبداء ملاحظات واستنتاجات متواضعة، يمكن إجمالها فيما يلي:

1- ينبغي وضع فعل “التعيين” و”الإعفاء” في إطاره القانوني الصرف، من حيث مدى احترام إجراءاته ومساطره، لأننا لا زلنا، في المغرب، بعيدين عن تحقيق عدالة إزاءهما، رغم وجود تأطير قانوني وتنظيمي للموضوع. فالتعيين والإعفاء، إن لم تكن الإقالة، وجهان لعملة واحدة: الغنيمة! وهذا ليس قدحا بل هو إرث ثقافي وتاريخي عرفته السلالات الحاكمة المتعاقبة على المغرب. وحتى الدول الكبرى ما فتئت تمارس هذا النوع من المكافأة Reward على الولاء للحزب الحاكم او المستوزر، إذ لا زال للسلطة التقديرية دور، رغم تقلص مجالها.

فالولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن عددا هامّا من المناصب الإدارية، يتم عبر الانتخاب، إلا أنها لم تتخلص كلية من بقايا هذا النظام، رغم إلغائه قانونيا. وهو ما يعرف “بنظام الغنائم” spoils system أو système des dépouilles. فالحزب الفائز في الانتخابات، يعتبر أن لديه شرعية من الناخبين، وتفويضا ضمنيا منهم لتعيين من ساهموا في نجاحه في الوظائف الإدارية، وتوزيع “الغنيمة” بينهم!

ولعل أسطع مثال قريب هو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أغرق كافة دواليب الإدراة الأمريكية بمواليه والمخلصين لشخصه، إذ عين مثلا، 300 قاضيا فدراليا في كافة أنحاء البلاد وفي المحكمة العليا وأكثر من ذلك في مختلف المناصب الإدارية والسياسية.
وبالعودة إلى حالة السيد امحمد الهيلالي، ومن خلال دراسة حالته ووضعها في سياقها التاريخي، يُستنتج ما يلي:

تم تعيين المعني بالأمر من طرف السيد نبيل بنعبدالله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، وزير السكنى وإعداد التراب والتعمير وسياسة المدينة، في أوج متانة علاقاته مع السيد عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة آنذاك. وقد وقعت تعيينات في مناصب عليا داخل الوزارة ، عبر اعتماد مسطرة شكلية للتباري. فهل كانت اللجن المكلفة بدراسة ملفات الترشيح وبالبت فيها عادلة ومنصفة في اتخاذ قراراتها تلك؟ ألم يتم الإشارة بأصابع التنديد إلى اقتسام للغنائم السياسية في عدد من الحالات؟ لعل أبرزها إجحافا، تعيين كريم تاج، مفتشا عاما لقطاع السكنى بإقصاء فج لملفات مرشحين وازنين. وهذا ماجاء في خلاصات تقرير وزارة المالية التي طالبت الوزير بتعليل اختياره -لكنه لم يفعل- لمترشح لا يتوفر إلا على إجازة يتيمة وتجربة منعدمة بأمور المنصب. وهل كان تعيين المدير المعفى أكثر استحقاقا من منافسيه الآخرين على المديرية؟ مع الاعتراف للسيد امحمدالهيلالي بالاستقامة ودماثة الخلق. إن توفر المعني بالأمر على تدرج إداري بالحد الأدنى الزمني للترقي لم يكن قاعدة في الإدارة المغربية ولا في وزارة السكنى بل هو استثناء، يطرح الناس تساؤلات حول مؤهلات الأشخاص الاستثنائية التي خولتهم ارتقاء الدرجات والمناصب بالحد الأدنى من المعايير. ففي وزارتنا، كان مجرد الحصول على رئيس مصلحة، يعد إنجازا بطوليا ومهنيا يسترعي الانتباه والتنويه بصاحبه أو صاحبته. وبما أن عهد المعجزات قد ولى منذ زمان، فيبقى التساؤل مشروعا حول وجود هذا المعراج الإداري لدى البعض دون الغالبية، في الإدارة المغربية.

2- شيوع عقلية جمعية raison collective لدى المعينين في منصب سام مؤقت نظريا، تغري شاغله بالاستحواذ عليه والعمل عى استدامته بكافة السبل والتماهي معه، وهذا السلوك شائع بين الأطر المنصبة. ويشكل الإعفاء بالنسبة لهم قرارا “جائرا” غير مقبول، بل وينبغي التنديد به على رؤوس الأشهاد، مع نشر جرد ب”منجزات”المعفى، كان يعتقد أنها كانت كفيلة بأن تشفع له وتدفع عنه ضربة الإعفاء.

وهذا الشعور أو الإحساس بالغبن غير المبرر، عايناه عند عدد هام من المعفيين الذين يلجأ بعضهم إلى الإضراب عن العمل بملازمة البيت ورفض العودة إلى عمله السابق أو غيره؛ وغالبا ما يجد هذا السلوك تفسيره في عدم تطبيق القانون على الجميع، إذ يلاحظ وجود أطر مخلدة في مناصبها لأكثر من عقد ويزيد، حتى وقع الاندماج بين المنصب السامي وصاحبه. ولعل لهذه الظاهرة علاقة بالجهة الحامية ومدى خدمته إياها وإخلاصه لها.

وقد عايننا كيف كانت مقاومة هؤلاء ممن تم إعفاؤهم من طرف الوزراء، وبخاصة في عهد وزير السكنى السابق سعيد الفاسي، الذي شن حركة واسعة من الإعفاءات وإنهاء الإلحاق في الوزارة والمؤسسات الخاضعة لوصايتها.

وقد تسببت تلك الإعفاءات في إحداث اضطراب وتململ داخل دواليب الإدارة، نظرا لعشوائيتها وملابساتها، تدخلت على إثره نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وفاعلين خارجيين آخرين.

ويعتبر التحاق السيد امحمد الهيلالي بعمله الجديد خصلة تحسب له لا عليه. كما أن اشتغاله في نفس المديرية يعتبر نموذجا وتواضعا يستحق الإشادة، فالمنصب مؤقت، إذ “لو دامت لغيرك ما وصلت إليك”.

– السؤال المطروح، هل احترمت الوزارة القانون عند إعفاء السيد م.الهلالي؟

بالرجوع إلى النصوص القانونية التنظيمية، نجد أن القرار سليم من هذه الناحية؛ فالقانون وضع شرط انقضاء فترة محددة لإعادة التعيين في المناصب العليا وفق مسطرة معينة. أما باقي الاعتبارات (الإنجازات، الاستهداف وغيرها)، فلا تشكل معطيات أو عناصر كافية للطعن في القرار الإداري بدعوى الشطط في استعمال السلطة، يخول للمتضرر منه عرضه على القضاء الإداري؛

ثم إن وجود وزارة برأسين مجتمعين وزاريا وقطاعين منفصلين إداريا، يعتبر حالة شاذة، قد يكون الهدف غير المعلن منها هو تسهيل انفصالهما إداريا في أي تعديل وزاري مستقبلي.

أما بخصوص الإلحاق، فيمكن للإدارة أن تنهيه متى شاءت بدون تعليل، كما أن للمعني بالأمر طلب إنها الإلحاق والعودة إلى إطاره الأصلي أو طلب إدماجه في القطاع الملتحق به.

ويمكن الإشارة إلى أن الدساتير المغربية، اقتداء بنظيراتها الفرنسية، تضع الإدارة رهن إشارة الحكومة والتي تعد من وسائلها الكبرى لتنفيذ سياساتها التي يصادق عليها البرلمان عبر التصويت على البرنامج الحكومي وتنصيبها. ويرأس كل وزير قطاعا عموميا

ويشرف على مؤسسات عمومية تابعة لقطاعه. وللوزير صفة سياسية وأخرى إدارية بوصفه رئيسا إداريا له.

وهذا التداخل في الصفتين هو ما يصعب عملية الفصل بين العمل السياسي والعمل الإداري. ويدخل قرار الإعفاء والتعيين في هذا المجال.

ويمكن سرد عدد مهم من الحالات المماثلة لقضية المدير المعفى، بل يزخر تاريخ الوزارة بحالات جور وظلم طال أطرا كثيرة ليس في أحقيتها في المناصب السامية فحسب، بل امتد الحيف إلى تجميد وضعياتها الإدارية لعشرين سنة في سلم واحد (الترقية من

السلم إلى السلم 11 نموذجا صارخا)، فكان بعض المسؤولين “الكبار” يمعنون التنكيل بالنقابيين في قوتهم عبر إقصائهم الجائر بحرمانهم من الترقية إلى الدرجة المستحقة. وقد نلنا حقنا وافيا غير منقوص من تعسفات الإدارة نحن وفئات مختلفة من الأعوان والموظفين. وحتى حينما آلت الوزارة إلى وزير منتم إلى حزب نقابتنا، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، لم يحاب السيد احمد توفيق حجيرة منتسبيها، بل كان تصرفه أقرب إلى المخاصمة وبخاصة اتجاه أطر ا.ع.ش.م الذين طالهم الغبن مرتين، في المعارضة والحكومة. هؤلاء المناضلون الذين عانوا زمنا طويلا، لم يلجأؤوا لا إلى حزب الاستقلال ولا إلى النقابة للاستفادة من غنيمة الريع أو إنصافهم على الأقل. لكنهم احتسبوا الله في ذلك صابرين كاظمين غيظهم، معتبرين ذلك ضريبة للكرامة وقول الحق والانتماء النقابي والحزبي، مرددين قول العزيز القاهر فوق عباده .

“…ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم…”
“… وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ..”
(*) إطار ومسؤول سابق بالوزارة، وكاتب وطني سابق لنقابة السكنى والتعمير وإعداد التراب الوطني. U.G.T.M

2021-01-27