قراءات سياسية ودستورية ترافق سيناريو فوز “العدالة والتنمية” بالانتخابات

تطرح مسألة حصول حزب العدالة والتنمية (البيجيدي) على ولاية ثالثة، قراءات سياسية ودستورية متعددة؛ فالحزب “الحاكم” لا يريد خسارة الانتخابات، لكنه يدرك أن الوصول إلى السلطة هذه المرة سيتطلب “مغامرة سياسية” وتوافقا مع القوى المنافسة. وإذا فاز بالانتخابات التشريعية المقررة في 8 شتنبر، سيكون “البيجيدي” أول حزب يترأس الحكومة لما يقرب خمس عشرة سنة خلال فترة العهد الجديد، لكن مطمح الإسلاميين يصطدم بمجموعة من المعيقات التي قد تعصف بالاستقرار الداخلي للحزب. وتدخل البلاد مع هذه الانتخابات مرحلة ما بعد أزمة “كورونا”، حيث سيكون الرهان على

تحقيق الإقلاع الاقتصادي برؤية سياسية جديدة، وهو ما يجعل استمرار الحزب “الإسلامي” على رأس الحكومة المقبلة محط تساؤل بشأن طبيعة تدبيره للمرحلة وتحالفاته الممكنة. ترؤس “البجيدي” للحكومة لا يخدم الملكية المحلل السياسي والخبير الدستوري مصطفى السحيمي قال: “يجب انتظار نتائج الانتخابات لمعرفة من سيقود الحكومة المقبلة، لكن يظهر من خلال المؤشرات الحالية أن حزب العدالة والتنمية سيتصدرها وسيحصل على أكثر من 80 مقعدا، متبوعا بحزب التجمع الوطني للأحرار الذي لن يتجاوز 70 مقعدا، ثم حزب الأصالة والمعاصرة بـ 65 مقعدا والاستقلال بـ 60 مقعدا”. وعاد

السحيمي إلى سيناريو تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية المقبلة، قائلا إن “الدولة لا ترغب في عودة الإسلاميين إلى السلطة، حتى لا يظهر أن هناك حزبا مهيمنا على المشهد يسيطر على المؤسسات، ومتفوقا على باقي القوى السياسية”. وفي قراءته للطرح الدستوري في حالة تصدر “البيجيدي” لانتخابات 08 شتنبر، أشار المحلل السياسي ذاته إلى أن “الفصل 47 يعطي للملك صلاحية تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى، والملك يحترم الديمقراطية وسيقوم بتعيين شخص من البيجيدي، ليس بالضرورة أمينه العام”. وحول احتمال إعادة سيناريو بنكيران

وواقعة “البلوكاج”، رد السحيمي بأن “الملك لن يمهل رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الأغلبية الكثير من الوقت كما حدث مع بنكيران، لأن البلاد في أزمة ويجب أن تتحرك، وبالتالي سيكون هامش التحرك ضيقا أمام الإسلاميين”. وأوضح أن “الملك أعطى للعثماني 15 يوما لتشكيل الأغلبية، حيث كلفه يوم 17 مارس 2017 بتجميع الائتلاف الأغلبي وفي 3 أبريل تم الإعلان عن الحكومة”، مضيفا أن “ما وقع مع بنكيران لن تتم إعادته مرة أخرى”. وقدّر الخبير الدستوري أن “البيجيدي سيواجه مشاكل وعراقيل لتشكيل الأغلبية من طرف باقي الفرقاء، وبالتالي سيتدخل الملك مرة أخرى وفقا لصلاحياته

الدستورية (الفصل 42) ليبحث عن بديل من الحزب الثاني (في هذه الحالة الأحرار) أو تكنوقراط، ليضمن سير المؤسسات، وهذه مسؤولية الملك”. واستطرد قائلا: “المخزن والدولة يريدان الأحرار على رأس الحكومة المقبلة، لأنه يقدم سياسة جديدة وأيضا من أجل طي صفحة الإسلاميين بصفة نهائية”، موردا أن “أخنوش يعطي الانطباع بأن حزبه سيتصدر الانتخابات، وقد يتجه الملك إلى تعيين وزير المالية الحالي محمد بنشعبون، المصبوغ بلون الأحرار، لتشكيل الحكومة، لأنه يملك مفاتيح الملفات الاقتصادية والمالية”. ولا يتوقع السحيمي أن يشكل حزب العدالة والتنمية الحكومة المقبلة، “لأن

الدولة لا تريد ذلك، ولأن الملكية ليست ملزمة في كل مرة بتعيين شخص من الحزب نفسه طوال 15 سنة، ومن مصلحة المؤسسات الدستورية ألا يترأس البيجيدي الحكومة المقبلة”. “البجيدي” في الحكومة من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش عبد الرحيم العلام: “في غياب ديمقراطية حقيقية مفتوحة، لا يمكن توقع من سيفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة، لا سيما في ظل وجود بعض الممارسات والأساليب مثل استعمال المال وتدخل السلطة”. وأوضح الأستاذ الجامعي، في تصريح لهسبريس، أنه “خلال عام 2015، كنا نتوقع أن

يتراجع البيجيدي في الانتخابات، لكن العكس حصل؛ فقد اكتسح المشهد السياسي، وهذا ما يجعل التوقعات مسألة نسبية، لا سيما في ظل القاسم الانتخابي الجديد على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية واستغلال المال”. وأضاف العلام قائلا: “وارد أن يعود البيجيدي إلى السلطة، كما أنه وارد أن تتراجع قوته الانتخابية في ظل وجود جيل جديد من المصوتين لم يشارك في الانتخابات السابقة ولا نعرف توجهاته”، معتبرا أن “وجود الإسلاميين في الحكومة وارد جدا”. ونفى المتخصص في القانون الدستوري “مسألة المهلة”، مشددا على أنه “ليس هناك مهلة تقدم لرئيس الحكومة لتشكيل

الأغلبية”، معتبرا أن “الأطر الدستورية ليست فاعلة في المغرب، وهناك أمور تجري في الكواليس والخفايا”. وبشأن قراءته للفصل 47 من الدستور، ذكّر العلام بأنه “في عام 2016، كنا أمام ممارسة دستورية تحولت إلى واقع دستوري”، في إشارة إلى تعيين الملك لشخص آخر من داخل “البيجيدي” عوض الأمين العام عبد الإله بنكيران، ليخلص إلى أنه “يمكن أن يعاد هذا السيناريو، لأنه لم يلق اعتراضا من طرف القوى السياسية في ظل الفراغ الدستوري، أو أن يتم اللجوء مباشرة إلى الحزب الثاني”. عقاب انتخابي وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي إلياس الموساوي إن “الصورة التي

تولدت الآن لدى المواطن المغربي ليست مثل التي كانت لديه إبان الولاية الأولى التي قاد فيها الحزب الإسلامي الائتلاف الحكومي، آنذاك كان الحزب يحاول أن يسوق فكرة مفادها أنه يحمل أفكارا ومشاريع جديدة، ووعد ناخبيه في مرحلة لاحقة بأن فترة تنزيل مخططاته واستراتيجياته ستكون في الولاية الثانية”. وأضاف في تصريح لهسبريس أن “تقييم هذه المرحلة جعل المواطن المغربي يحس بنوع من الغبن والخيانة نتيجة اتباع الحزب لسياسة اجتماعية فاشلة ساهمت بشكل كبير في تفقير العديد من الأسر وتراجع القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من الشعب المغربي”. بناء على هذه

المخرجات، شدد المحلل السياسي ذاته على أن “الحزب لم يعد محل ثقة من طرف المواطنين الذين عاقبوه في انتخابات اللجان متساوية الأعضاء؛ بحيث إن نقابة البيجيدي فقدت التمثيلية جراء هذه السقطة غير المسبوقة، إضافة إلى انتخابات الغرف المهنية التي كرست هذا العقاب”. وأوضح الموساوي أن “السلطات لا يمكن أن تسير خارج هذا النسق، والاستماع لنبض الشارع لا مفر منه للحيلولة دون حدوث انفجار اجتماعي لا أحد يتكهن بمصيره”، مستحضرا “القاسم والتقطيع الانتخابيين، إضافة إلى غلق الباب على بعض الوجوه في الحزب الإسلامي للترشح في أي استحقاق انتخابي مقبل حتى لا تظهر هي نفسها في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي”.

قد يهمك ايضا

المغرب يعلن أن ثلثا أعضاء الأمانة العامة لـ«العدالة والتنمية» لن يترشحوا للأنتخابات

رهانات المرحلة الانتخابية الجديدة تثير تساؤلات داخل حزب العدالة والتنمية